الاثنين، 21 يناير 2019

العبور II كورماك مكارثي

لم يعثر عليها. عندما رجع إلى أعالي النهر التقط قارورة المياه من حيث ألقيت إلى جانب الطريق، والتقط فنجانه وشفرته ومشى عائداً إلى الأشجار. كان الحصان يرتجف بين أوراق الشّجر، تناول بطانيّة من حزمة البطّانيّات وبسطها على الحصان وجلس واضعاً يده على كتف الحصان وبعدها بقليل نام.

استيقظ على بداية حلم نصف يائس. انحنى على الحصان حيث استلقى بهدوء وهو يتنفّس من بين أوراق الأشجار، ونظر إلى الشّمس ليحدّد كم مرّ من اليوم. كان قميصه جافّاً تقريباً عليه، وفك أزرار الجيب وأخذ نقوده ونشرها لتجفّ. ثم تناول صندوق أعواد الثّقاب من الجراب ونشرها أيضاً. مشى في الطريق إلى حيث وقع الكمين، ودار حول الأحراش إلى جانب الطريق حتّى وجد السكّين. كانت خنجراً على الطراز القديم صنعت من سكّين عسكريّة رخيصة بحافّة شحذت طرفي شفرتها. مسحها ببنطاله وعاد ووضع السكّين مع الغنائم الأخرى. ثم مشى إلى حيث ترك بويد. عثر عمود من النّمل الأحمر على العظام، وقرفص في أوراق الأشجار وعاينها ورفعها وسحقها في الرّمل والتقط البطّانيّة وحملها وأودعها في زاوية بين غصنين ومشى عائداً وجلس إلى جانب الحصان.

لم يمر أحد طيلة اليوم. عاد مرة أخرى بعد الظهر للبحث عن الحصان الآخر. فكّر في أنّه ربّما ذهب إلى منبع النهر، أو أن قطّاع الطّرق أخذوه، لكن على أيّ حال، لم يره مرّة أخرى. عندما حلّ الليل كانت الأعواد جفّت، فأشعل ناراً وغلى بعض الحبوب وجلس إلى جانب النّار وأصغى إلى النّهر وهو يسير في العتمة. ارتفع القمر القطنيّ، الذي كان ظاهراً في النّهار، فوق الرؤوس، واستلقى في بطانيّته وهو ينظر إلى السّماء لرؤية إذا ما عبرت الطيور فوقه باتجاهها إلى منبع النّهر، لكن إذا كانت قد عبرت فعلاً فلم يستطع رؤيتها، وبعدها بقليل نام.
أتاه بويد في نومه ليلاً وقرفص بجانب جمر النّار القاتم كما فعل مئات المرّات وابتسم ابتسامته الرّقيقة التي لم تكن ساخرة تماماً، وخلع قبّعته وأمسك بها أمامه وهو ينظر إليها. كان يعرف في الحلم أن بويد ميّت، وأنّه يجب عليه أن يقارب موضوع كيانه بحذر معيّن لأن من كان يقظاً في حياته سيكون كذلك بشكل مضاعف في مماته، وأنّه لا يعرف أيّ كلمة أو إيماءة يمكن أن تطرحه مرّة أخرى في العدم الذي سيأتي منه. عندما سأله أخيراً عمّا يعنيه أن تكون ميّتاً، ابتسم بويد وأشاح بنظره ولم يجب. تكلّما حول أمور أخرى وحاول ألّا يستيقظ من حلمه، لكن الشّبح خفت وتلاشى، واستيقظ واستلقى وهو ينظر إلى النّجوم عبر أغصان العلّيق المتشابكة على أطراف الأشجار، وحاول أن يفكّر في المكان الذي يمكن أن يكون فيه بويد، لكن بويد كان ميّتاً، وكانت عظامه هباءً وملفوفة في بطانيّة وضعت في أشجار لدى منبع النهر، ثم نظر إلى الأرض وبكى.