ترجمة لمقال بارني روناي في الجارديان
جاؤوا إلى ملعب الآنفيلد وهم
يترقّبون ناراً وتوهّجاً وثأراً يرتدي قمصاناً حمر. جاؤوا يتقصّون ليلةً من تلك
الليالي التي يتسمّر بها شعر المرء، حيث يبدو وكأن الهواء يخفق باحتمالات جامحة
وزاعقة. لكن عند التفكّر بالأمر، يبدو أنّهم ربّما أخطؤوا قليلاً بفهم الوضع.
وعد يورغن كلوب، في التمهيد لمباراة
ذهاب أبطال أوروبا ضد بايرن ميونيخ، "كرة قدم مشحونة"، هذه التسمية التي
من المفترض أن تشير إلى ضرب متفرّع من أسلوب الهيفي ميتال المعتاد: كرة قدم تتبنّى روك الميتال المتسارع،
أو روك ساحات مقاطعة لانكاشاير الصّاخب.
لكن
كان الأمر مختلفاً على الأرض. ففي ليلة قارسة البرد في الآنفيلد حيث جلدت الرياح
الملعب، ارتدّت الكرة وارتطمت بالأرجاء، ثم بدأ مطر قارص بالهطول. وقبل أن يتأخّر
الوقت، أصبح ذلك يوماً معنوناً باسم جوردان هينديرسون.
ونعم،
كان يوماً جيّداً بالنسبة إليه، حيث كان قائداً رزيناً وهادئاً من البداية إلى
النهاية. لم يقد هينديرسون المباراة، إذ لم تكن مباراة من النوع التي يمكن التحكّم
بها على الإطلاق، بل على العكس: استحوذت عليها المراوغة في بعض الأوقات.
بدلاً
من ذلك، اقتنص هينديرسون الفرص على هامش المباراة، إذ تفوّق على ثياغو ألكانتارا
بتمرير الكرة، وهي إحصائيّة مهمّة حتّى إن كانت تعنى فقط بأن ثياغو يمرّر الكرة
كما لو أنّه خلق ليفعل ذلك. بينما يتعامل هينديرسون في أسوأ أيّامه بكامل براعة
رجلٍ يركل علبة متروكة بمقدّمة أصابع قدمه إلى جانب الأوتوستراد.
اعترض
هينديرسون الخصم أكثر من أي لاعب آخر، واقتنص عدداً من المبارزات الدفاعيّة الهوائيّة،
وقام بتمرير كرة طويلة ممتازة من منتصف الملعب إلى محمّد صلاح.
وعند
اقتراب نهاية الشوط الأوّل، قام بإنشاء واحدة من تلك اللحظات التي عادةً ما يتم
إغفالها أثناء تحرير ملخصّات المبارات.
لكز
ساديو مانيه الكرة بشكل عَرَضي من الدفاع إلى منتصف الملعب. قُطعت التمريرة وتم
إعطاؤها إلى سيرج غنابري مباشرة. انبعثت التأوّهات من ذلك الجانب من الملعب،
وانتشر شعور بفقدان المباراة عندما لم تتم رؤية أي قميص أحمر بين غنابري ومرمى
فريق ليفربول. عند هذه اللحظة، يأتي هندو. كانت تلك لحظة بارعة في تعقّب الكرة،
حيث اندفع ليستعيد الكرة بلحظة استعراضيّة وهو يندفع ليزيح غنابري جانباً.
أفضل
ما في الأمر أن هينديرسون بدا وكأنّه يعرف شيئاً أصبح أكثر وضوحاً مع المشهد الشاذ
قليلاً لقائد فريق ليفربول وهو يبقى في الملعب بعد صافرة نهاية المباراة ليحيّي
المساندين في جهة، بينما كان لاعبو فريق بايرن ميونيخ يقدّمون الشّكر المعتاد
لمسانديهم خارج أرضهم في الجهة الأخرى.
وعندما
خرج هينديرسون من الملعب في النهاية وهو لا يزال يصرخ في زملائه ويحضنهم، مستحوذاً
على لمعان الزوّار، ومستغرقاً في اللحظة، رأى المرء أخيراً ما كان يرمي إليه:
طبيعة هذا التعادل الشفّافة.
تمثّل
قانون هينديرسون فيما يلي: هذا الذّهاب كان في الواقع إياباً بالنسبة لفريق
ليفربول. لكن بعد أسبوعين من الآن، سيجد ثلاثي المقدّمة النهمين مساحةً أكبر في
ملعب أليانز أرينا. وسيذهب فريق ليفربول إلى ميونيخ برفقة فيرجيل فان دايك: أقوى
لاعبيهم وأكثرهم فعاليّة.
لكن
هينديرسون ارتقى للمناسبة في غيابه. وهو أمر لا يستهان به بمقابل منافس من الدرجة
الأولى، والذي غادر الآنفيلد من دون أن يسدّد كرة واحدة على المرمى، والذين لا يجب
الاستهانة بهم، حتّى في لحظاتهم الخاملة والنامية. فلطالما كانت فكرة فريق بايرن
على أنّهم فريق مستضعف مثيرة للشك. هذا فريق أوروبي مجهّز بشكل جيّد، ومعتدّ بنفسه
بشكل مفرط، ويتمتّع بقوة ماحقة.
كان
خط منتصف فريق بايرن هنا فرعاً من أصول هذه الشجرة. يسهل فعلاً نسيان ثياغو
والفنّان الذي هو عليه: لاعبٌ يبدو وكأنّه يلتقط منديلاً ويأخذ نفساً ويلمّع وجه
الكرة في كل مرة قبل أن يطلقها. ثم يقف إلى جانبه خابي مارتينيس، وهو واحد من أكثر من
احتضنوا الكؤوس في كرة القدم المعاصرة، والذي دوماً ما يتم التقليل من شأنه بصورة
سخيفة. إذ حصل على 6 ألقاب في الدوري، إضافة إلى ميدالية دوري أبطال أوروبا وكأس
العالم.
بدأ
ليفربول وهو مشحون بالكامل بالأدرينالين، لكن بايرن حافظ على الكرة بشكل جيّد في
بعض الأوقات. كان غنابري على الجهة اليمنى لاعباً يعرف ما يريد، محوّلاً أندرو
روبيرتسون، في لحظة من اللحظات، إلى بخار وهو يتخطّاه في عمل نادر بحد ذاته ربّما
يحتاج وضع لافتة باسمه على ذلك الجانب من الملعب.
تراجع
حضور بايرن بعد الشوط الأوّل بينما كان ليفربول يعودون إلى المباراة بقيادة
القائد.
سيبقى
هينديرسون أكثر لاعبي فريق ليفربول تعرّضاً للتشهير بصورة روتينيّة، إذ تتم
السخرية من أسلوبه البسيط والمباشر ]كأكلة لا تحتاج للجهد مثل اللحم
والبطاطا[، ومظهره الأخرق إلى جانب هذا
النوع من اللاعبين. فإلى جانب خاميس رودريغيز على سبيل المثال، لا يبدو هينديرسون
بالكاد كلاعب كرة قدم من النخبة نهائيّاً. ففي لحظة معيّنة في الشوط الثاني من
المباراة، قام هينديرسون برمي الكرة من التّماس إلى زميله بحذر مبالغ به بشكل
سخيف، حيث تلقّى الكرة على مشط قدمه وكأنّه مربيّة من العصر الفكتوري تلتقط
برتقالة في تنوّرتها.
لكن
ثمّة سبب في أن العديد من المدربّين الممتازين يواصلون اختياره، إذ يرتقي للمناسبات ولا يتهرّب من أي شيء، ولا حتّى محدوديّته. ثبت فريق ليفربول في ليلة
كان يمكن أن يغمضوا الطرف فيها. وكان الفضل يعود بشكل كبير إلى أداء مباراة الإياب
في أرضهم، وإلى قائد الفريق الذي فهم هذا التعادل بطريقة أفضل قليلاً من أي شخص
آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق