الجمعة، 14 أكتوبر 2011

فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم

طيّب. فتنة الوحيدين المهمّشين لن تختفِ قريباً على الأقل. والمازوشيّة الخرائيّة باقية إلى وقت يمكنني فيه، حينئذٍ، تسوّل الوحدة. في البيت، منذ 5 أيام، أراقب العالم وهو يتدروَش حول نفسه. وعلى جدار أبيض في خلفية رأسي مكتوب: "واو، مان، ثمّة كائنات مرحة في الداخل أكثر ممّا في الخارج"*.

لكن كل هذا كذب؛ فلا أزال أشعر بالغضب. كنتُ أحيل هذا الغضب إلى حاجتي للجنس. لكن مؤخراً شطبت هذا السبب لوقوعه. في الواقع كان الأمر لذيذاً وغير متوقعاً. لم أكن أفكّر في الأمر من فرط ما فكّرت فيه وسكنني. إلى أن حدثت الأمور بالصدفة. ولم يلزم الأمر إلا رجل وصبيّة يشعران بالخذلان من العالم، ويسكنان إلى تلك الكائنات المرحة في الداخل.

في ذلك البار المزدحم، اكتشفنا الحاجة لأن نتفرّج على أنفسنا من الخارج. كانت الفودكا تُسقِط الحواجز التالفة بسرعة، وكانت الموسيقى الحيّة خلفيّة مثالية لبؤس العالم كله. هذا البؤس الذي أعوّل عليه دائماً، وليس النشوة. 

بسرعة انتقلت يدي إلى جسدها. كان الإيقاع البطيء الذي تلمّستُ فيه أصابع يديها لذيذاً ومملاً. كنّا نعمل ضدّ الوقت والمكان. واللّوب الذي دخلنا فيه كان مهيّئاً، فلم أشعر بالحاجة لبذل أيّ جهد مضاعف حتى أصل إلى حلمتها وهي تنتفض من وراء قطعتي ملابس.

كنّا نعمل ضدّ الوقت والمكان؛ كان الوقت يمرّ بسرعة فتناسيناه كأيّ جرمٍ سماويّ يسبح في مطلقٍ مملّ. وكان المكان مزدحماً فغبنا عنه. كنّا مغيبين إلى حدّ غير منطقيّ. اضطررت بسببه أن أغادر طاولة البار المستطالة إلى الحمّام أكثر من مرة لأكتشف، لدى عودتي إلى جانبها، بأننا فعلاً خارج المكان، وبأننا تجسيدٌ للعالم المعزول والبطيء في لوحة إدوارد هوبر Nighthawks.

وفي الغرفة لاحقاً، كان الكسل فاتح الشبّاك ومش مسكره. والمطر ناعم، ما بيشبه أي مدينة. المدينة الذي قال عنها عبّاس بيضون: "صغيرة لدرجة أننا نستعيد أحجامنا فيها ونسمع خطانا بوضوح عائدةً في نهاية الليل. إننا مرئيون للغاية هنا، لكنّنا قد نكون ضحايا خدعةٍ؛ إذ نجول غالباً طوال النهار بدون أن نخرج من مساحةٍ كالكفّ".

حينئذٍ، كنّا نستهدف الفسحة ما بين النعاس والنوم. كنّا نستهدفُ جسداً ثالثاً وُلِدَ في تلك الغرفة وبقي فيها. جسداً مكتملاً بيدين بطيئتين وشهوةً على شكل قدمين. جسداً غذّيناه بكل ما نسينا أن نشتهي. حتى عندما استيقظنا صباحاً وجدناه مكتملاً. ذهبت لأستحمّ وأتفقّد يدي التي ظننتُ أنني فقدتّها من فرط ما تخدّرت في نومها، لأرجع وأعثر على ابتسامتها تضيء فسحةً ملأها الغبار.

الغبار الآن الذي تركته ينجزُ غرفة نومي. غبار في كل مكان: على رف الكتب بجانب السرير، على الوسادة الثانية، على الغسيل الرطب وفكرة الأجساد الممتلئة.

وكان أن قرأت رواية رشيد الضعيف "فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم" دفعة واحدة ونمت. وإذ حلمت بعبّاس بيضون جالساً على كرسي شبه غافٍ متلحفّاً بحرام ثقيل من البرد سألته: بتحب رشيد الضعيف؟، ليرفض الرد ويوقّع لي على كتابه "مرايا فرانكشتاين".

وكان أن استهدفنا تلك الفسحة، فامتَلَأَتْ. وكنّا جميعاً بحاجة إلى ما ينقذنا منها.

* الجملة من حوار بين "بري" أحد شخصيات رواية حسين البرغوثي "الضوء الأزرق" وبين الكاتب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق