عزيزي محمود ردايدة،
تناقشنا مؤخراً حول الموسيقى، تحديداً حول الشكل الذي يجب أن تكون عليه الموسيقى. كنّا، آنذاك، نجلس في "كانفاس"، حيث كان يعقوب أبو غوش وأحمد بركات وطارق أبو كويك يعزفون بفرقتهم الجديدة لأول مرة. كان من المفترض أنّنا نستمع إلى توليفة الجاز والعود التي لا تصدر من أيّ مكان آخر، بهذا الشكل الطبيعي والعفوي، إلا من عمّان.
لم نكن متلقّي موسيقى، كنا في تلك اللحظة جزءاً من هذه التوليفة. الفرق بين الهمس حين يخفت صوت العود، والصراخ حين يتحمّس أبو كويك على الدرمز كان عنصراً لم ندرك أهميته إلا عندما انتهت الفرقة من العزف، وانضمّ إلينا أبو غوش معترفاً بأنّه يشعر بالكآبة إن لم يعزف لمدة طويلة.
تحدّثنا إذاً عن شكل الموسيقى. وكانت وجهة نظرك بأن أيّ شكل للموسيقى يجب أن يتضمّن هيكلاً واضحاً يمكن غناءه، أو عزفه، على غيتار أكوستيك. كنتَ تتكلّم بثقة من تجربة خلقتَ بها واحدة من أوائل الفرق الأردنيّة المستقلّة: "جدل".
ما أقحمنا بهذا النقاش في البداية هو آراءنا حول فرقتين أردنيتين جديدتين، هما: "آخر زفير" و"المربّع". الأولى باكتمال شكل موسيقاها، والثانية بشكل موسيقاها غير المنتظم. وبالتالي، غير القابل للتبسيط إلى درجة يمكن معها عزف أغنية من أغانيهم على آلة واحدة فقط.
ورغم أننا نبدو نقيضين، إلا أن الفرق بسيط جداً، ويكمن في تفصيل واحد فقط: كيف ننظر إلى الموسيقى. فأنتَ تتعامل معها على أساس أنها طريقة التعبير الوحيدة التي لا تكتمل إلا بها. وأتعامل معها بشكل نفعيّ. إذ كنتُ أنظر إليها، مثل الكثيرين، كمستهلك.
حتى وجدتُّ مؤخراً أنني، كفرد، عنصر في هذا الشكل الموسيقيّ. وبأن موسيقيين مثل جون كايج يعيدون الاعتبار للضوضاء اليوميّ الذي نمارسه. ولأنه استغنى عن الشكل هذا، استطاع أن يجعل من سعال شخص أثناء مقطوعته “4’33” الصامتة تماماً جزءاً من صوت كونيّ أوسع.
إنّنا ننظر إلى الموسيقى من جهتيها المفتوحتين: أنتَ لا تريد أن تخسر وظيفتك كخالق مثاليّ، وأريد أن أشوّش عليك خلقك. تريدها فرديّة تعبّر عن إحساس جمعيّ، وأريد أن أثبّت بوقاً كبيراً على الأرض لأسمع تشويشنا يخرّب على لا مبالاة الكون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق