الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

العاشر من ديسمبر | جورج سوندرز


ترجمة للقصة القصيرة Tenth of December | جورج سوندرز

مشى الصبي الشّاحب بشعره المسترسل على صدغيه مثل الأمير الشجاع (1) بتثاقل كأنّه جرو إلى خزانة الأحذية/ المعاطف ليستولي على معطف والده الأبيض. ثم استولى على الحذاء الذي رشّه باللون الأبيض. كان ممنوعاً من طلاء مسدّس الخرز بالأبيض. ذاك كان هديّة من العمّة كلوي. ففي كل مرّة كانت تأتي إلى المنزل كان عليه أن يستلّه حتّى تتمكّن من الانبهار بتعريقات مقبضه الخشبيّ.
مهمّة اليوم: السّير إلى المستنقع، والتحقّق من سد القندس. سيتم احتجازه على الأغلب من قبل تلك المخلوقات التي عاشت حول الجدار الصخري القديم. كانت صغيرة، لكنّها اكتسبت حجماً معيّناً عند ظهورها. ثم بدأت بمطاردته. كان ذلك أسلوبهم. كان انتصابه هناك واثقاً يودي بهم إلى التحلّق حوله. عرف ذلك، واستمتع للأمر (2). سيلتفت عندئذٍ، ويصوّب مسدّس الخرز، ويدندن: هل تعلمون طريقة استخدام هذه الأداة البشريّة؟
بلام
كانوا مخلوقات من العالم السفلي (3). كانوا يرتبطون به ارتباطاً غريباً. ففي بعض الأحيان، كان يقضي أيّاماً وهو يعالج جروحهم. وبين حين وآخر، كان يمزح بإطلاق خرز مسدّسه على مؤخّرة أحدها أثناء فرارها. والتي ستعرج من الآن فصاعداً ولبقيّة حيّاتها. والتي يمكن أن تكون أيّاماً طويلة مثل 9 ملايين سنة أخرى.
وفي داخل الجدار الصخري، حيث يكون آمناً، يخاطب المصاب البقية قائلاً: أنظروا إلى مؤخّرتي يا شباب.
ينظر كل الشباب إلى مؤخّرة غزيمون، ويتبادلون نظرات متجهّمة تقول: سيعرج غزيمون بالفعل للتسعة ملايين سنة القادمة، يا له من رجل تعيس.
لأنّه صحيح: ينزع السفليّون للتكلّم مثل ذلك الشخص في "ماري بوبينز" (4).
ما أدى إلى إثارة بعض الألغاز فيما يتعلّق بأصولهم هنا على الأرض. كان ذلك طبيعيّاً.
كان أمر احتجازه مشكلة بالنسبة للسفليين لأنّه كان ماكراً. إضافة إلى أنّه لن يتّسع ليدخل شقّ جدارهم الصخري. لذلك عندما ربطوه ودخلوا لتخمير جرعة التصغير الخاصّة بهم- وام- كان يمزّق حبالهم العتيقة بحركة من نظام فنون القتال الذي اخترعه لنفسه: توي فوي، والمعروف باسم السّواعد الفتّاكة. ثم يضع على بوّابتهم صخرةً عنيدةً من الاختناق لتحاصرهم في الدّاخل.
في وقت لاحق، جلس يتخيّلهم وهم يحتضرون ليشفق عليهم ويعود ليزيح الصخرة.
ربّما يقول أحدهم "ياللهول"، أيضاً. شكراً أيّها الزّعيم، لأنتَ فعلاً خصمٌ شريف.
في بعض الأحيان، ستكون هناك حفلة تعذيب. سيجبرونه على الاستلقاء على ظهره وهو ينظر إلى الغيوم المتسارعة بينما يقومون بتعذيبه بطرق يستطيع تحمّلها بالفعل. كانوا يميلون لترك أسنانه وشأنها. وكان محظوظاً بذلك، إذ لا يحب حتّى أن ينظفّها. كانوا متخلّفين بهذه الأمور. فلم يعبثوا أبداً بحمامته ولم يعبثوا أبداً بأظافره. كان فقط يبقى هناك ويغيظهم وهو يحرّك ذراعيه ليترك أثر ملاك الثلج. أحياناً، اعتقاداً بأنّها رصاصة الرّحمة من دون أن يعرفوا أنّه سمع ذلك منذ زمن بعيد في تأبين أحد المصابين بالفدامة ممّن عاشوا في المدرسة الداخليّة، ويقولون: واو، لم نكن نعرف أن روبن يمكن أن يكون اسماً لولد. ثم يكتمون ضحكاتهم السفليّة.
شعر اليوم بأن السفليين قد يختطفون سوزان بليدسو، وهي الفتاة الجديدة في الصف. كانت من مونتريال. وكان يحب الطريقة التي تكلّمت بها كثيراً. وهكذا، على ما يبدو، شعر السفليون الذين خطّطوا لاستغلالها في زيادة أعدادهم المستنزفة، وفي خبز أشياء مختلفة لم يعرفوا كيفيّة خبزها.
ناسا، أنا جاهز- وهو يلتفت بشكل أخرق باتّجاه خروج الباب.
نؤكّد ذلك. لدينا إحداثوياتك. كن حذراً في الخارج يا روبن.
أوف، برد، يلعن ها.
الحرارة على ميزان البطّة تبلغ 10 فقط، وذلك من دون قياس البرد الذي تأتي به الرياح. كان ذلك أمراً ظريفاً. كان ذلك أمراً حقيقيّاً. رُكِنت سيارة نيسان خضراء لتغلق الطريق على ملعب الزعران لكرة القدم. آمل في أن مالك السيّارة ليس متحرّشاً عليّ أن أفوقه دهاءً.
أو ربّما هو سفليّ متنكّر على هيئة إنسان.
لمّيع يلمع أزرق وبرد. وكان الثلج يقول: خش خش بينما يعبر ملعب الكرة. لماذا يصيب برد كهذا شخصاً يركض بالصداع؟ من المحتمل أن يكون ذلك بسبب الريح التي تسقط بسرعة باتّجاهه.
كان الطريق إلى الغابّة يتّسع لمرور إنسان واحد. يبدو أن السفليّ اختطف سوزان بليدسو بالفعل. يلعنه ويلعن أشكاله. بالنّظر إلى مسار من مجموعة المسارات، يبدو أن السفليّ كان يحملها. النّذل. أحسن له ألّا يلمس سوزان بشكل غير لائق وهو يحملها. لكن إذا كان يلمسها، سوزان ستقاوم بلا شك بغضب لا يمكن ترويضه.
كان أمراً مقلقاً. أمراً مقلقاً للغاية.
عندما لحق بهما كان يقول، شوفي يا سوزان، أعلم أنّك لا تعرفين اسمي لأنّك خاطبتيني بـ"روجر" حين طلبتِ منّي أن أزيح لك مكاناً، لكن مع ذلك يجب أن أعترف بأنّي أشعر شيئاً ما بيننا. هل تشعرين بنفس الشعور؟
كانت سوزان تمتلك أكثر العيون البنيّة جمالاً. لكنّها ابتلّت الآن من الخوف وصدمة الواقع.
توقّف عن الحديث معها، يا زلمة، قال السفليّ.
قال: لن أفعل ذلك. ثم يا سوزان؟ حتّى لو كنتِ لا تشعرين بشيء بيننا، كوني مطمئنة لأنّني سأذبح هذا الرفيق وأعيدك إلى منزلك. أين تسكنين مرة ثانية؟ هناك في إل سيرّو؟ لدى برج المياه؟ توجد منازل جميلة هناك.
نعم، قالت سوزان. لدينا بركة سباحة أيضاً. يجب أن تأتي عندنا في الصيف المقبل. ويمكنك أن تسبح بقميصك. ونعم، هناك شيء بيننا. أنتَ أكثر صبي فهمان في صفّنا. حتّى عندما أضع الصبيان الذين عرفتهم في مونتريال في الاعتبار، بحكي لحالي: ما في مجال للمقارنة.
طيب من الجميل أن أسمع هذا الكلام. شكراً لأنّك قلته. أعرف أنّني أنحفهم.
نحن الفتيات نقدّر ما في الداخل أكثر من المظاهر.
ألا تتوقفون عن الكلام؟ قال السفلي. فقد حان موعد موتك. موتكما.
قال روبن. أنا متأكّد أنّ الوقت حان لموت شخص ما. 
المخجل أنّك لم تقم بإنقاذ أي شخص حقّاً. عندما كان راكونٌ يحتضر هنا في الصيف الماضي، فكّر في سحبه إلى المنزل حتّى تتّصل أمّه بطبيب بيطري. لكنّه كان مخيفاً جدّاً عن قرب. فحجم الراكون في الواقع أكبر بكثير من الأحجام المرسومة في الكتب. وبدا أن هذا الراكون عضّاضاً. فركض إلى المنزل ليأتيه ببعض الماء على الأقل. وعند عودته، رأى المكان الذي كان الراكون ينازع روحه الأخيرة فيه. كان ذلك أمراً محزناً. هو الذي لم يكن يعرف أن يتعامل مع الحزن. لعلّ عيوناً أدمعت في الغابة، لعلّها عيناه.
هذا يعني أنّك تمتلك قلباً كبيراً، قالت سوزان.
لا أعرف، قال بتواضع.
وصلوا إلى إطار الشّاحنة القديم، حيث كان طلّاب الثانويّة يقيمون حفلاتهم. كانت داخل الإطار المتجمّد من الثلج ثلاث علب بيرة وبطّانيّة ملفوفة على بعضها.
تحبّين أن تحتفلين على الأرجح، كان السفليّ قد صرخ في سوزان قبل لحظات وهم يمرّون من هذه البقعة بالذات.
لا، لا أحب أن أحتفل، قالت سوزان. أحب أن ألعب. وأحب أن أعانق.
يا حبيبي، قال السفليّ. شو هالملل.
هناك رجل في مكان ما يحب أن يلعب ويعانق، قالت سوزان.
خرج الآن من الغابة على أجمل منظر عرفه في حياته.
كان المستنقع بركة متجمّدة، بيضاء ونقيّة. صدمه المنظر لأنّه كان يشبه منظراً سواسريّ إلى حدٍّ ما. في يومٍ ما، سيعرف ذلك على وجه التأكيد، ذلك عندما يقيم السويسريون له استعراضاً أو شيء من هذا القبيل.
تنحرف هنا مسارات السفليّ عن الطريق، كما لو كان أخذ وقته وهو يتأمّل بالبركة. ربّما لم يكن هذا السفليّ سيّئاً حتّى العظم. ربّما كان كان يواجه صراعاً مع ضميره بينما كانت سوزان تكافح ببسالة على ظهره. بدا أنّه يحب الطبيعة إلى حدٍّ ما على الأقل.
ثم عادت المسارات إلى الطريق، والتفّت حول المستنقع، وتوجّهت إلى تلّ ليكسو.
ما كان ذلك الكائن الغريب؟ معطف؟ على المقعد؟ المقعد الذي كان يستعمله السفليون لتضحياتهم البشريّة؟
لم تتراكم الثلوج على المعطف، والذي كان لا يزال دافئاً قليلاً من الداخل.
بناءً على ذلك: هذا معطف تخلّص منه سفليّ مؤخّراً.
كانت تلك تميمة غريبة. كان ذلك لغزاً مثيراً للاهتمام لو أنّه واجه لغزاً من قبل. وكان قد حصل مرّة واحدة عندما وجد صدريّة على مقود دراجة هوائيّة. وفي إحدى المرّات، وجد عشاءً كاملاً من الستيك على طبق لم يمسّه أحد خلف مطعم فريسنو، ولم يأكله رغم أنّه بدا لذيذاً جدّاً.
كان ثمّة ما يمشي.
ثم لمح رجلاً في منتصف الطريق إلى تل ليكسو.
رجلاً أصلع لا يرتدي معطفاً، نحيلٌ جدّاً يرتدي ما يبدو أنّه بيجامة، ويكدح في طريقه بصبر سلحفاة، بذراعين بيض عاريتين تبرزان من قميص بيجامته مثل غصنين بيض عاريين يبرزان من قميص بيجامة. أو قبر.
أيّن نوع من الناس يترك معطفه وراءه في يوم كهذا؟ الناس المجانين، هذا هو النوع. بدت على هذا الرّجل مسحة من الجنون، كشخص من أوشفيتز أو جدّ مرتبك.
قال أبي مرّة: ثق بعقلك يا روب، فإذا كانت رائحته تشبه الخراء وكان مكتوباً عليه "هابي بيرثداي" مع شمعة، فما هو؟
قال. هل عليها سكّر زينة؟ 
أغمض أبي عيناه بنصف الإغماضة التي يفعلها عندما لا يكون الجواب صحيحاً.
ماذا كان يقول لنفسه الآن؟
في شي غلط. هناك شخص بحاجة إلى معطف. حتّى لو كان ذلك الشخص كبيراً. تجمّد المستنقع. قال ميزان حرارة البطّة عشرة. إذا كان الشخص مجنوناً، فهناك أسباب أكثر لمساعدته، كما لم يقل المسيح، طوبى لهؤلاء الذين يساعدون أولئك الذين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم، لأنّهم مجانين أو خرفانين أو معاقين؟
خطف المعطف من على المقعد.
كانت عمليّة إنقاذ. وأخيراً، عمليّة إنقاذ حقيقيّة نوعاً ما.
قبل 10 دقائق، توقّف دون إيبر لدى المستنقع ليلتقط أنفاسه.
كان متعباً جدّاً. شو هاد. يا حبيب النّبي. عندما كان يسير بساسكواتش (5) هنا، كان يلفّ 6 مرّات حول المستنقع، ويهرول إلى أعلّى التل، ويلمس الصخرة الموجودة في الأعلى ثم يركض نزولاً.
علينا أن نتابع، قال واحد من الشخصين الذين كانا يخوضان نقاشاً في رأسه طيلة الصّباح.
هذا هو، إذا لا زلت مصمّماً على فكرة الصّخرة، قال الآخر.
الأمر الذي سيفاجئنا يا مقطّع يا موصّل.
بدا أن أحدهم أبي، والآخر كيب فليميش.
الغشّاشون الأغبياء. سيتبادلان زوجاتهما، ويهجران الزوجة المستبدلة، ويفرّان معاً إلى كاليفورنيا. هل كانا مثليّان؟ أم يهويان تبادل الزوجات فقط؟ مثليّان يهويان تبادل الزوجات؟ أقرّ الأب وكيب الذي في رأسه بخطاياهما، وأبرم ثلاثتهم صفقة: سيغفر لهم أنّهم مثليان يهويان تبادل الزوجات مقابل أن يتركوه ليصنع سوب بوكس ديربي وحده، مع أمه فقط، وأن يوافقا على إعطائه بعض النصائح الرجوليّة.
يريد أن يكون لطيفاً.
كان ذلك أبي الآن. يبدو أن والده كان إلى جانبه إلى حد ما.
لطيفاً؟ قال كيب. لن أستخدم هذه الكلمة.
يتكلّم الكاردينال بحيويّة على مدار اليوم.
كان أمراً رائعاً. كان رائعاً بحق. كان شابّاً. كان 35. لكنّه لن يقوم بإلقاء خطابه الوطني الأهم حول الرأفة. ماذا عن الذهاب إلى الميسيسيبي في زورق؟ ماذا عن العيش في منزل على شكل حرف A بالقرب من جدول ظليل مع فتاتين من الهيبيز كان التقاهما في 1968 في محل الهدايا ذلك في أوزاركس، عندما اشترى له ألين، زوج أمّه الذي كان يرتدي نظّارة الطيارين تلك، كيساً من الحجارة الأحفوريّة؟ وقالت إحدى الفتيات الهيبي أنّه هو، إيبر، سيكون ثعلباً عندما يكبر، وأنّه هل سيتأكّد من الاتصال بها عندما يحدث ذلك؟ ثم وضعت فتاتي الهيبيز رأسيهما المسمران معاً وضحكتا على تثعلبه المحتمل. وذلك لم يكن أبداً-
لم يكن بطريقة أو بأخرى أبداً-
قالت الأخت فال: لماذا لا تحاول أن تكون جي. إف. كيه القادم؟ لذلك رشّح نفسه لمنصب رئيس الصفّ. كان ألين قد اشترى له قبّعة ستايروفوم من القش. وكانا يجلسان معاً لتزيينها بالماجيك ماركرز: فز مع إيبر. وفي الخلف: غروفي. ساعده ألين بتسجيل خطاب قصير على شريط. أخذ ألين ذلك الشريط إلى مكان ما وعاد بثلاثين نسخة "لتوزيعها".
قال ألين: "رسالتك جيّدة، وأنت متحدّث لا يصدّق. يمكنك أن تفعلها".
وفعلها. وفاز. أقام ألين له حفلة النصر. حفلة بيتزا. وحضرها كل الأطفال.
آه يا ألين.
أطيب رجل في العالم. من أخذه للسباحة، وأخذه ليمارس فن الديكوباج، ومن مشّط شعره بصبر شديد عندما عاد إلى المنزل مقمّلاً، وما إلى ذلك، وما إلى ذلك.
لكنّه لم يكن كذلك بمجرّد أن بدأت المعاناة. بدأت. الله يلعنها. أصبحت المزيد والمزيد من كلماته. أبحت. لم تكن المزيد والمزيد من كلماته كما كان يأمول.
يأمل.
احتدّ ألين بمجرّد أن بدأت المعاناة. وقال أشياء لا ينبغي لأحد أن يقولها. لأمّي، لإيبر، للرجل الذي يأتي بالماء. تحوّل من رجل خجول دائماً ما يضع يداً مُطَمئِنة على ظهرك إلى شخصيّة شاحبة وباهتة في السرير، يصرخ: كس.
إلّا أن الكلمة بلهجة نيو إنغلاند الغريبة، أصبحت: كوس.
أول مرة صرخ فيها ألين "كوس" كان الأمر مضحكاً، إذ نظر هو وأمّي إلى بعضهما لمعرفة أيّ منهما يتم شتمه بـ"كوس". لكن ألين عدّل الشتيمة لغرض التوضيح لتصبح: إكساس.
لذلك كان من الواضح أنّه قصد كليهما. كان ذلك مريحاً.
وانفجرا بالضحك.
يا إلهي. منذ متى كان يقف هنا؟ كان ضوء النهار ينتظر أن يختفي.
أن يضيع هباءً.
بصراحة، لم أكن أعرف ما علي فعله. لكنّه جعل الأمر بسيطاً جدّاً.
فقد تولّى الأمر بنفسه.
طيب، شو في جديد؟-
بالضبط.
كان ذلك جودي وتومي الآن.
مرحباً يا أولاد.
اليوم يوم مهم.
أعني، طبعاً، سيكون أمراً لطيفاً لو أتيحت لي الفرصة لأودّع وداعاً لائقاً.
لكن بأي ثمن؟-
بالضبط. وشوف- كان يعرف ذلك.
كان أباً. وهذا ما يفعله الآباء.
يخفّفون من أعباء من يحبونهم.
وينقذون من يحبونهم من الصور المؤلمة الماضية التي قد يتحمّلوها طيلة حياتهم.
قريباً ما سيصبح ألين هذا الشخص. ولن يعيب أحد على تجنّب ذلك. في بعض الأحيان، كان يجتمع هو وأمّي في المطبخ، بدلاً من المخاطرة بتحمّل الغضب، حتّى هذا فهم الصفقة. أنت تخضّ كأس الماء، ضعه جانباً، تقول بأدب شديد، هل تريد شيئاً آخر يا ألين؟ وستشاهد كل ذلك التفكّر، في كل تلك السنوات التي كنتُ فيها شخصاً صالحاً جدّاً من أجلكم أيها الناس، لأصبح مجرّد ذلك الآن؟ أحياناً سيكون ألين اللطيف في الداخل أيضاً، وهو يشير بعينيه: شوف، اطلع برّا، أرجوك إطلع برا، أنا أحاول جاهداً ألّا أشتمك بيا كوس.
الأضلاع بارزة كأنّها قضبان سكّة حديديّة.
أنبوب القسطرة مربوط بلاصق على الأير.
انبعاث رائحة خراء.
أنت لستَ ألين وألين ليس أنت.
هكذا قالت مولي.
أمّا الدكتور سبيفي، فلم يستطع أن يقول، لم يرد أن يقول. كان مشغولاً برسم زهرة الربيع على الورق اللاصق. ثم قال أخيراً: حسناً، بصراحة؟ مع نمو هذه الأشياء، يمكن أن تميل للقيام بأمور غريبة. لكن ليس بالضرورة أموراً فظيعة. أتعرف؟ كان لدي مريض جعلته هذه الأشياء يشتهي أن يشرب سبرايت طيلة الوقت.
وفكّر إيبر، هال قلت، عزيزي الدكتور/ المنقذ/ شريان الحياة، أنّها جعلته يشتهي السبرايت طيلة الوقت؟
هكذا سيهزموك. فأنت تفكّر: لربّما أشتهي شرب سبرايت فقط. ثم لن تنتبه قبل أن تصبح ذلك الذي يصرخ: كوس، وتخرى على سريرك، وتحشر الناس الذين تجمّعوا لتنظيفك.
لا يا سيّدي.
لايسيد بوب.
سيسقط الأربعاء عن سريره الطبّي مرّة أخرى. وهو جاثم على الأرض في الظلمة، جاءته الفكرة: يمكنني أن أجنّبهم كل هذا.
تجنّبهم أم تجنّب نفسك؟-
تعالي يا أنتِ ورائي.
تعالي يا أنتِ ورائي، حبيبتي.
حملت نسمة منعشة سلسلة من رشقات الثلج من مكان ما في الأعلى. هذا جميل. لماذا خلقنا فقط، لنجد الكثير من الأمور التي تحصل يوميّاً جميلة؟
خلع معطفه.
حبيب النبي.
خلع قبّعته وقفازاته، وحشر القبّة والقفّازات في كم المعطف، وترك المعطف على المقعد.
هكذا سيعرفون. سيجدون السيّارة، ويمشون في الممر ويجدون المعطف.
كانت معجزة. أنّه قطع هذه المسافة. حسناً، لطالما كان قويّاً. في مرّة من المرّات، ركض نصف ماراثون بقدم مكسورة. وبعد أن أجرى عمليّة استئصال القناة المنويّة، قام بتنظيف الكراج، عادي.
كان يمكنه أن ينتظر مولي في سريره الطبّي حتّى تغادر إلى الصيدليّة. لكن كان هذا الجزء الأصعب. أن يودّع وداعاً عاديّاً.
انصبّ تفكيره عليها الآن، لكنّه أعاد نفسه إلى الواقع ودعى: ساعدني لأنجح يا رب، ساعدني حتّى ما أنيك إم الوضع. ساعدني لأخلّص الموضوع بكرامة. ساعبني أخلّص الموضوع عبلاطة.
ساعدني. ساعدني أخلّص الموضوع عبلاطة.
عنظاف.
عنظافة.
الوقت المقدّر للتغلّب على السفليّ وإعطائه معطفه؟ حوالي 9 دقائق. 6 دقائق لتتبّع المسار الذي يجري حول المستنقع، و3 دقائق إضافيّة لصعود التلّة بسرعة كشبح توصيل أو ملاك رحمة يحمل معطفاً كهديّة بسيطة.
هذا مجرّد تقدير، يا ناسا، لقد اختلقت ذلك.
نعلم ذلك يا روبن. بعد كل هذا الوقت، نعرف أنّك تسلك في عملك سلوكيّات غير محترمة.
مثل تلك المرّة التي ضرطت فيها ضرطة على القمر.
أو تلك المرّة التي خدعت ميل فيها وقلت: "سيدي الرئيس، يا لها من مفاجأة سعيدة للعثور على كويكب يدور حول أورانوس".
كان ذلك التقدير، على وجه الخصوص، مشكوكاً فيه. فمع انتعاش هذا السفليّ المفاجئ، لم يكن روبن أسرع شخص في جيله، إذا كان مقاس خصر معيّناً تنبّأ والده أنّه سيتحجّر قريباً بنجاح ليصبح صلباً صلابة ظهيريّة (6). كان يأمل ذلك. لكن حتّى الآن كان عبارة عن ثديي أولاد صغيرة.
بسرعة يا روبن، قالت سوزان. أشعر بالأسف على ذلك العجوز المسكين.
قال روبن أنّه أحمق، لأن سوزان كانت لا تزال صغيرة، ولم تفهم بعد أنّه عندما يكون رجلاً ما أحمق، ذلك يصعّب على الآخرين الذين كانوا أقل حماقةً منه.
قالت سوزان أنّه ليس لديه الكثر من الوقت وهي على شفا الهستيريا.
ما تخافي، قال، وهو يطمئنها.
أنا خائفة للغاية، قالت.
قال روبن: لكنّه محظوظ لأنّ يكون هناك شخص مثل أنا ليحمل معطفه ويصعد هذه التلّة الكبيرة التي لا تناسبني تماماً لانحدارها الشديد.
قالت سوزان: أعتقد أن هذا هو تعريف "البطل".
قال: أعتقد ذلك.
قالت: لا أقصد أن أستمر في الإلحاح، لكن يبدو أنّه يبتعد.
قال: ماذا تقترحين؟
قالت: بكل احترام، ولأنّني أعرف أنّك تعتبر أنّنا متساوين ولكن مختلفين، ولأنّني أغطّي الجانب العقلي والاختراعات الخاصّة وما إلى ذلك؟
قال: نعم، نعم، تابعي.
طيّب، عبر مجرّد إجراء حسابات هندسيّة بسيطة-
كان يعرف ماذا تريد أن تقول. وكانت على حق تماماً. لا عجب أنّه أحبّها. عليه أن يمرّ عبر المستنقع، وبالتالي تقليل الزاوية المحيطة، ما يؤدّي إلى تقليص ثوانٍ ثمينة من الوقت الذي سيمضيه للحاق بالرّجل.
قالت سوزان: انتظر، هل هذا خطير.
قال أنّه ليس خطيراً، وأنّه فعل ذلك عدّة مرّات.
ناشدته سوزان: دير بالك أرجوك.
قال: أوكي، مرّة واحدة.
قالت سوزان معترضة: كل هذا الاعتداد.
قال بهدوء محاولاً ألّا يثيرها: في الواقع ولا مرّة.
قالت سوزان: شجاعتك في مشاكستك.
بدأ بعبور المستنقع.
كان المشي على الماء أمراً رائعاً في الواقع. ففي الصيف، تطفو القوارب هنا. لو رأته أمّه فستنتابها نوبة هستيريّة. كانت أمّه تعامله كما لو كان قطعة من الزجاج بسبب العمليّات الجراحيّة التي زعم أنّه أجريت له وهو رضيع. كانت تدخل في حالة تأهّب كاملة إذا كان يستخدم شيئاً مثل الدبّاسة.
لكن أمّي كانت شخصاً جيّداً. مستشارةً موثوق بها ومرشدة رصينة. كانت تمتلك كميّة شعر فضّي طويل كشعر الفرس وصوتاً خشناً، رغم أنّها لم تكن تدخّن، وحتّى أنّها كانت خضريّة. لم تكن يوماً ممّن يركبن الدرّاجات الناريّة، رغم أن بعض المصابين بالفدامة ممّن عاشوا في المدرسة الداخليّة ادّعوا أنّها تشبه واحدة منهن.
كان في الواقع متيّماً بأمّه.
وصل الآن إلى حوالي ثلاثة أرباع، أو ما يعادل ستين بالمئة من المستنقع.
بدت بقعة رماديّة بينه وبين الشاطئ، حيث كان يجري جدول في الصيف. أثارت البقعة الشك قليلاً. ثم ضرب الجليد على حافّة البقعة الرماديّة بعقب مسدّسه، وكان صلباً مثل البقية.
هذا هو. تمايل الجليد من تحته لوهلة. كان على الأرجح ضحلاً هنا. كان يأمل في ذلك على أيّ حال. يا ساتر.
قالت سوزان بخوف: كيف الوضع؟
قال: يمكن أن يكون أفضل.
قالت سوزان: ربّما عليك أن تتراجع.
لكن ألم يكن هذا الشعور بالخوف هو ذات الشعور الذي كان على جميع الأبطال مواجهته في وقت مبكر من حياتهم؟ ألم يكن التغلّب على هذا الشعور بالخوف هو ما ميّز الشجعان بحق؟
ليس هناك مجال للعودة.
أو هناك مجال؟ ربّما هناك مجال. في الواقع ينبغي ذلك.
تكسّر الجليد ووقع الصبي.
لم يتم ذكر الغثيان في "ذا هامبلينغ ستيب" (7). 
باغتني شعور بهيج بينما كنت أنجرف إلى النوم في قاعدة الصّدع. بلا خوف، بلا إزعاج، ثمّة فقط حزن غامض تجاه ما ترك غير مكتملاً. فكّرت: هذا هو الموت؟ لكنّه لا شيء.
يا أيّها المؤلّف، الذي لا أذكر اسمك، أريد أن أتحدّث معك.
آس هول.
كان يرتجف بفظاعة مثل زلزال. كان رأسه يهتز على رقبته. توقّف عن الارتجاف قليلاً ليتقيّأ قليلاً على الثلج: أبيض مصفرّ على أبيض مزرقّ.
كان الأمر مخيفاً. كان الأمر مخيفاً في تلك اللحظة.
كانت كل خطوة نصراً. كان عليه أن يتذكّر ذلك. كان يفر في كل خطوة من أب وأب. بعيداً من أب. خطوة أبد. يا له من انتصار كان ينتزعه من فكّ القديم.
شعر بحاجة نبعت من الجزء الخلفي من خلقه ليقولها بالشكل الصحيح.
من فكّ الهزيمة. من فك الهزيمة.
آخ يا ألين.
حتّى لو كنت كذلك فلا تزال ألين بالنسبة لي.
أرجو أنّك تعلم ذلك.
قال الأب: سقوط.
كان ينتظر لفترة من الوقت ليعرف أين سيهبط وكم سيوجعه ذلك. ثم كانت هناك شجرة في أمعائه. ووجد نفسه ملتفّاً كالجنين حول بعض الأشجار.
تعريص هالشغلة.
آخ آخ. كان ذلك كثيراً. لم يبكِ بعد العمليّات الجراحيّة ولا خلال علاج الكيمو، لكنّه رغب بالبكاء الآن. لم يكن الأمر عادلاً، إذ يفترض أن يحدث كل ذلك للجميع لكنّه كان يحدث له على وجه التحديد. قد يبقى ينتظر رحمة ربّه، لكن لا، فهناك شيء/ شخص أكبر منه ظلّ يرفض ذلك. قال لك الشيئ/ الشخص الأكبر أنّه يحبّك أنت بشكل خاص، لكن في النهاية عرفت أنّه على خلاف ذلك. كان الشيء/ الشخص الكبير محايداً. لا مبالٍ. وعندما كان يتحرّك ببراءة، يسحق النّاس.
عندما ذهب هو مولي إلى متحف "ذا إلومينيتيد بودي" قبل سنوات، شاهدا دماغاً مفتوحاً. شوّه الدماغ بقعة بنيّة بحجم النيكيل. والتي كانت كل ما تطلّب الأمر لقتل الرّجل. كان الرجل يملك، بالطبع، آمالاً وأحلاماً، وخزانة مليئة بالبناطيل وغيرها، وبعض ذكريات الطفولة الأثيرة: سرب سمك الكوي في ظل شجر الصفصاف في حديقة غايغ، على سبيل المثال، وغرام التي تبحث في محفظتها- التي تفوح منها رائحة علكة ريغليز عن منديل- وهكذا. لولا هذه البقعة البنيّة، ربّما يكون الرجل أحد هؤلاء الأشخاص الذين يتّجهون في طريقهم لتناول الغذاء في البهو. لكن لا، فقد فنى الآن وهو يتعفّن في مكان ما بدون دماغ في رأسه.
شعر إيبر بالتفوّق وهو ينظر إلى الدماغ المفتوح. مسكين. ما حدث له كان مؤسفاً.
كان هو ومولي قد ذهبا إلى البهو، وتناولا الكعك الساخن وهما يشاهدان سنجاباً يعبث بكوب بلاستيكي.
تتبّع إيبر أثر الندبة على رأسه وهو ملتفّ كالجنين حول الشجرة، محاولاً الجلوس من دون أن يحالفه الحظ. حاول استخدام الشجرة للجلوس، لكن يده لم تغلق عليها. أحاط بالشجرة بكلتا يديه، وربط يديه من الرسغين ليجلس، ويتّكئ على الشجرة.
كيف كان ذلك؟
منيح.
جيّد في الواقع.
ربّما قضي الأمر. ربّما هذه المرّة كانت آخر مرّة. كان يفكّر في أنّه سيجلس متربّعاً على الصخرة في أعلى التل، لكن ما هو الفرق في الواقع؟
كل ما عليه فعله الآن هو التركيز. أن يبقى مركّزاً عبر إجبار نفسه على التفكير بنفس الأفكار التي كان يستخدمها لحثّ نفسه على الخروج من السرير الطبي إلى سيّارته، ومن ثم عبر ملعب الكرة وعبر الغابة: موليتوميجودي يتجمّعون في المطبخ المتخم بالشفقة/ الكراهية، موليتوميجودي يثورون على أمر قاسٍ كان قد قاله، يحمل تومي جذعه الرّفيع في ذراعيه حتّى تستطيع موليجودي أن تصل هناك وتغسل- 
 ثم سينتهي كل هذا. وسيكون قد استبق كل الذلّ المستقبلي. وسينطفئ كل هذا الخوف من الأشهر المقبلة. 
يفطنئ.
قضي الأمر. هل قضي الأمر؟ ليس بعد. ربّما قريباً. بعد ساعة؟ 40 دقيقة؟ هل كان يفعل ذلك؟ حقّاً؟ نعم كان. هل كان؟ هل سيكون قادراً على العودة إلى السيّارة حتّى لو غيّر رأيه؟ قال لنفسه أنّه لن يقدر. ها هو ذا. كانت هذه الفرصة المدهشة لإنهاء الأمور بكرامة في متناول يديه.
كان كل ما عليه عمله هو أن يركّز.
سأكف عن المقاومة إلى الأبد. (8)
ركّز على جمال المستنقع، على جمال الغابة، على الجمال الذي تعود إليه، على الجمال المتواجد في كل مكان بقدر ما تستطيع-
أوف شو هالخرا
أوف يا لطيف
هناك طفل في المستنقع
طفل ممتلئ يرتدي ملابس بيضاء. مع مسدّس. ويحمل معطف إيبر.
إترك المعطف يا فص، وإرجع عالبيت، وما تتدخّل بـ-
يلعن. يلعن هالشغلة.
دقّ الولد الجليد بمؤخّرة مسدّسه.
لم ترغب بأن يجدك طفل. سيترك ذلك ندبة على حياته. رغم أنّ الأطفال يجدون أشياء فظيعة طيلة الوقت. مرّة من المرّات، كان قد وجد صورة عارية لأبيه والسيّدة فليمش. كان ذلك فظيعاً. لكن، بالطبع، لم تكن الصورة بفظاعة كشرة المتربّع-
كان الصبي يسبح.
كانت السباحة ممنوعة. كانت ذلك مكتوباً بوضوح. ممنوع السباحة.
لم يكن الصبي يسبح بشكل جيّد. كان الوضع محموماً هناك. وكان الصبي يخلق بضرباته بركة سوداء تتّسع بسرعة. ومع كل ضربة كان الصبيّ يوسّع حدود البركة بشكل متزايد-
كان في طريقه إلى الأسفل قبل أن يعلم أنّه بدأ فعلاً. عبرت رأسه عبارة طفل في المستنقع، طفل في المستنقع، مراراً وتكراراً وهو يلفظها. بدأ التقدّم من شجرة إلى شجرة. فالوقوف هناك لاهثاً، عليك أن تعرف الشجرة جيّداً. فهذه تمتلك 3 عقدات: عين، وعين، وأنف. نمت هذه الشجرة كواحدة لتصبح الآن اثنتان.
وفجأة لم يعد ببساطة ذلك المحتضر الذي بقي مستيقظاً لليالٍ في سريره الطبّي وهو يفكّر: خلّي كل شي يرجع، خلّي كل شي يرجع، لكنّه، مرّة أخرى، هو الرّجل الذي، جزئيّاً، اعتاد على وضع الموز في الفريزر، ثم يكسّرها على المنضدة ويصب الشوكولاطة فوق القطع المكسّرة، الرّجل الذي وقف مرّة خارج نافذة الصف تحت عاصفة ممطرة ليراقب كيف كانت جودي تقبّل خرّيها صاحب الشعر الأحمر، والذي باغتها على طاولة الكتب، الرّجل الذي اعتاد أن يدهن أكواخ إطعام الطيور في الجامعة ليبيعها في نهاية الأسبوع في بولدر، مرتدياً قبّعة مهرّج، ويقدّم فقرات سحريّة وهو-
بدأ بالسّقوط مرّة أخرى، أمسك نفسه، وتجمّد في وضعيّة منحنية، واندفع إلى الأمام، ليسقط على وجهه، ويرتطم ذقنه بجذر شجرة.
لم يكن قادراً على منع نفسه من الضحك.
كان بالكاد قادراً على منع نفسه من الضحك.
وقف على قدميه. وقف على قدميه بإصرار. وبدت يده اليمنى كأنّها قفّاز دموي. قال لنفسه: معتوه، للأسف. في إحدى المرّات، فقد سنّاً خلال مباراة كرة قدم أميركيّة. ولاحقاً، وجده إيدي بلانديك خلال استراحة بين الأشواط. كان قد أخذ السن من إيدي، ورماه بعيداً. كان ذلك هو أيضاً.
ها هو الطريق المتعرّق. لم يكن بعيداً الآن. الطريق المتعرّج.
ما العمل؟ عندما وصل هناك؟ أخرج الطفل من المستنقع. دعه يذهب. أجبره على المشي عبر الغابة، عبر ملعب كرة القدم، إلى أحد المنازل في بول. وإذا لم يكن أحد في المنزل، إرم الطفل في النيسان، وارفع حرارة المكيّف، وقد إلى- كنيسة سيّدة الأحزان؟ عيادة طوارئ؟ أقرب طريق لعيادة طوارئ؟
50 ياردة حتّى بداية الطريق.
20 ياردة حتّى بداية الطريق.
أشكرك يا رب على قوّتي.

وفي المستنقع، أصبح حيوانيّاً، بدون كلمات، بدون ذات، ينتابه ذعرٌ أعمى. كان مصمّماً على المحاولة بالفعل. أمسك بالحافّة، لكنّها انهارت وسقط إلى الأسفل ليصطدم بالطين ويدفع نفسه إلى الأعلى. أمسك بالحافّة، لكنّها انهارت وسقط إلى الأسفل. بدا وكأن الخروج من هنا أمر سهل، لكنّه لم يستطع القيام بذلك. كان الأمر مثل الكرنفال، حيث سيكون من السّهل أن توقع ثلاثة كلاب خشبيّة عن الحافّة، وكان ذلك سهلاً. لكنّه لم يكن سهلاً إذا حسبنا عدد الكرات التي أعطوك إيّاها.
كان يريد الوصول إلى الشاطئ. كان يعلم أنّه مكانه المناسب، لكن المستنقع ظل يقول لا.
ثم قال: ربّما.
انهارت حافة الجليد مرّة أخرى، ومع تكسّرها، دفع نفسه دفعة خفيفة نحو الشاطئ حتّى عندما يسقط تستطيع قدماه أن تصل الطين أبكر من قبل. كانت الضفّة منحدرة. وفجأة كان هناك أمل. جن جنونه، وفقد السيطرة كليّاً. ثم خرج والماء يتدفّق منه، وعلقت قطعة من الجليد في طرف كم معطفه كجزء من طرف لوح زجاجي.
قال لنفسه: شبه منحرف.
في ذهنه، لم يكن المستنقع شيئاً محدوداً ودائريّاً يقع خلفه، بل كان شيئاً لا متناهياً يحيط به من جميع الجهات.
شعر بأنّه عليه أن يستلقي من دون حراك وإلّا ما حاول قتله سيحاول مرّة أخرى. لم يكن ما حاول أن يقتله في المستنقع فقط، بل هنا أيضاً، وفي كل الطبيعة، وأنّه ليس ثمّة هو، أو سوزان، أو أمّي، أو أي شيء، فقط صوت صبي يبكي كطفل مرعوب.
هرول إيبر إلى خارج الغابة ليجد أن الصبي اختفى.كانت هناك مياه سوداء فقط، ومعطف أخضر، معطفه. معطفه السّابق هنا على الثلج. كانت المياه راكدة سلفاً.
يا خرا.
الغلط غلطك.
كان الصبي هنا بسبب-
كان هناك شخص مجهول على الشاطئ وبالقرب من قارب مقلوب، مستلقٍ بحالته ووجهه إلى الأسفل، مستلقٍ بحالته. مستلقٍ هناك مثلما سيكون ذلك الصبي المسكين-
لحظة، إرجع.
كان الصبي. شكراً يا ربّي. وجهه إلى الأسفل كجثّة في صور برادي (9). بينما ظلّت رجلاه في المستنقع. كأنّه فقد القوّة وهو يزحف إلى الخارج. كان الصبي مبتلاً كثيراً، وأصبح المعطف الأبيض رماديّاً من البلل.
جرّ إيبر الصبي، وأخذه الأمر 4 جذبات مميّزة. لم يكن يمتلك القوّة اللازمة لقلبه كلّه، لكنّه قلب الرأس، وأخرج الفم من الثلج على الأقل.
كان الصبي في ورطة.
غارقاً بالماء، 10 درجات.
يا خسارة.
جثا إيبر على ركبة واحدة وأخبر الصبي بأبويّة متّزنة أن عليه أن ينهض، عليه أن يتحرّك أو أن يفقد ساقيه، وقد يموت.
نظر الصبي إلى إيبر ورمش من دون أن يتحرّك.
أمسك الصبي من المعطف، وقلبه، وأجبره على النهوض بقسوة. بدا ارتجافه لا شيء مقارنة مع ارتجاف الصبي. إذ بدا وكأنّه يحمل حفّارة بيده. كان عليه أن يدفئه. كيف أفعل ذلك؟  أحتضنه، أم أستلقي فوقه؟ سيكون منظرنا مثل بوظتين بعصاتين فوق بعضهما.
تذكّر إيبر أن معطفه ملقىً على الجليد في طرف المياه السوداء.
آه.
جد غصناً. لم يكن هناك أغصان. أين هي تلك الأغصان السّاقطة عندما تحتاج-
طيّب، طيّب، سيفعلها من دون غصن.
سار 50 قدماً باتّجاه الشاطئ، وتقدّم في المستنقع، ومشى في حلقة واسعة على الجليد القاسي، ثم التفت إلى الشاطئ وعاد ليسير باتجاه المياه السوداء. كانت ركبتاه ترتجفان. لماذا؟ كان خائفاً من السّقوط. ها. غبيّ. مدّع. كان المعطف على بعد 15 قدماً. كانت ساقاه تخوناه. ساقاه تخوناه.
ساقاي تخونني يا دكتور.
أعرف ذلك.
تقدّم بخطىً صغيرة. كان المعطف يبعد 10 أقدام. جثا على ركبتيه وزحف قليلاً. ثم نزل على بطنه ومدّ ذراعاً.
انزلق إلى الأمام على بطنه.
أكثر قليلاً.
أكثر قليلاً.
ثم صنع زاوية بإصبعيه وسحبه، ثم انزلق إلى الوراء بطريقة تشبه سباحة فراشة عكسيّة، ثم نهض على قدميه، ووقف، وتراجع عدّة خطوات، ليكون آمناً على بعد 15 قدم مرّة أخرى.
ثم كان الأمر مثل زمان، حين كان يحمل تومي أو جودي إلى السرير عندما يكونا غائبان عن الوعي تقريباً. كنت تقول: "الذراع"، ليرفع الطفل ذراعاً. تقول: "الذراع الأخرى"، ليرفع الطفل الذراع الأخرى. بعد أن خلع المعطف، كان بإمكان إيبر رؤية أن قميص الصبي يتحوّل إلى جليد. جرّده إيبر من القميص. مسكين الولد. كان الكائن مجرّد لحم على هيكل. لن يعش الرجل الصغير طويلاً في هذا البرد. خلع إيبر قميص بيجامته ووضعها على الصبي، وأدخل ذراع الصبي في كم المعطف بالذراع التي كان إيبر يحمل بها القبعة والقفازات. ثم ألبس الصبي القبعة والقفازات، وأغلق سحّاب المعطف.
كان بنطال الصبي متجمّداً. وتحوّل حذائه إلى منحوتة جليديّة لحذاء.
عليك أن تضع الأمور في نصابها. جلس إيبر على القارب، وخلع حذائه وجواربه، وخلع بنطال بيجامته، وأجلس الصبي على القارب، وركع بقربه وخلع حذاء الصبي. قام بإرخاء البنطال بخبطات صغيرة لتكاد أن تخرج ساق واحدة. كان يخلع ملابس الصبي في طقس تبلغ حرارته 10 درجات. ربّما كان هذا هو الأمر الخاطئ تحديداً. وربّما سيقتل الصبي. لم يكن يعلم. هو فقط لم يكن يعلم. خبط بيأس على البنطال خبطات إضافية. ثم تخلّص الصبي من بنطاله.
ألبسه وضع إيبر بنطال البيجامة، ثم الجوارب، ثم الحذاء.
كان الطفل يقف هناك في ثياب إيبر وهو يتمايل بعينين مغلقتين.
قال إيبر: سنسير الآن، أوكي؟
لا شيء.
دفع إيبر الصبي كتفيه مشجّعاً. كما يفعلون في مباريات كرة القدم الأميركيّة.
قال: سنمشي معاً إلى المنزل، هل تسكن بالقرب؟
لا شيء.
دفعه دفعة تشجيع أقوى.
فتح الصبي فمه مرتبكاً.
دفعة.
بدأ الصبي بالمشي.
دفعة- دفعة.
كما لو كان يهرب.
ساق إيبر الصبي أمامه كما يسوق راعٍ بقرة. في البداية، بدا أن الخوف من الدفعات كان يحفّز الصبي، لكن بعد ذلك انتابه ذات الذعر القديم وبدأ بالركض. وبعد فترة، لم يكن إيبر قادراً على اللحاق به.
كان الصبي لدى المقعد. كان الصبي في بداية الطريق.
برافو، عد إلى المنزل.
اختفى الصبي في الغابة.
تذكّر إيبر نفسه.
يا إلهي، آه، واو.
لم يعرف برداً كهذا البرد. لم يعرف تعباً كهذا التعب.
كان يقف في الثّلج بملابسه الداخليّة بالقرب من قارب مقلوب.
مشى وهو يعرج إلى القارب وجلس في الثلج.
ركض روبن.
متجاوزاً المقعد وبداية الطريق وإلى الغابة عبر الطريق القديم المألوف.
شو صار؟ شو الخرا اللي صار؟ وقع في المستنقع؟ تجلّد الجينز؟ لم يعد الجينز أزرق. أصبح أبيض. نظر إلى الأسفل ليعرف إذا ما كان الجينز لا يزال أبيض.
كان يرتدي بنطال بيجامة طويت أطرافه في حذاء كبير للغاية كما لو كان بنطال مهرّج.
هل كان يبكي للتو؟
قالت سوزان: أعتقد أن البكاء أمر صحيّ. وهذا يعني أنّك على تواصل مع مشاعرك.
آخ. كان ذلك الأمر منتهٍ، كان أمراً غبيّاً، أن تتكلّم في رأسك مع فتاة ما تناديك في الوقع روجر.
آخ.
متعبٌ جداً.
كان هناك جذع شجرة.
جلس هناك. من الجيّد أن يرتاح. فلن يفقد ساقيه. لم يشعر أنهما تؤلماه. لم يستطع حتّى أن يشعر بهما. لن يموت. لم يكن الموت شيئاً كان يفكّر فيه في هذا العمر المبكّر. ولكي يرتاح بشكل أفضل، استلقى هناك. كانت السّماء زرقاء. وأشجار الصنوبر تتمايل، لكن ليس بنفس النّسق. رفع يداً بقفّاز وشاهدها ترتعش.

قد يغمض عيناه قليلاً. يشعر المرء في بعض الأحيان بالرغبة في الاستسلام. ثم سيعرف الجميع أن المضايقة ليست أمراً لطيفاً. أحياناً، ومع كل المضايقات، كان يشعر بأن أيّامه غير مُسْتَسلَمَة. في بعض الأحيان كان يشعر أنّه لا يستطيع أن أن يتحمّل فرصة الغداء التي يتناول فيها طعامه خانعاً على بساط المصارعة المطوي في زاوية الكافتيريا وبالقرب من قضبان متوازية مقطّعة. لم يكن مضطراً للجلوس هناك، لكنّه فضّل ذلك. فإذا جلس في أي مكان آخر، ستزيد احتماليّة تعرّضه لتعليق أو تعليقان. وعندها سيقضي بقيّة اليوم وهو يتأمّل في هذه التعليقات. كانت التعليقات أحياناً تتعرّض للفوضى في منزله. ذلك كان بفضل برايس الذي جاء مرّة واحدة إلى المنزل. في أحيانٍ أخرى، كانت التعليقات تتعرّض لأسلوب حديثه. وأحيان أخرى حول أسلوب أمّه الأخرق التي كانت بحق امرأة من الثمانينيّات.
أمّي.
لم تعجبه المضايقات التي تتعلّق بأمّه. لم يكن لدى أمّي أيّ فكرة عن وضعه المنحط في المدرسة. إذ كانت أمّه تراه على أنّه جوهرة أو "غولدن بوي".
في إحدى المرّات، ضرب لنفسه موعداً لتسجيل مكالمات أمّه الهاتفيّة لأسباب استطلاعيّة فقط. كانت معظمها مملّة وعادية ولم تكن عنه أبداً.
باستثناء تلك المكالمة التي أجرتها مع صديقتها ليز.
قالت أني: لم أكن أحلم أنّه يمكنني أن أحب شخصاً إلى هذا الحد. بتعرفي؟ أخشى فقط أنّني قد لا أكون قادرة على إيفائه حقّه. هو رائع جدّاً، ممتنّ جداً. الصبي بيستاهل- الصبي بيستاهل كل شي منيح: مدرسة أحسن، التي لا يمكننا تحمّل تكاليفها، وبعض الرحلات إلى خارج البلد، بس هذه كمان مش قدرتنا. لا أريد أن أخذله، بتعرفي؟ هذا ما أريده من حياتي، بتعرفي يا ليز؟ أن أشعر، في نهاية المطاف، أنّني أوفيت هذا الشّاب الصغير الرّائع حقّه.
في تلك النقطة، بدا أن ليز ربّما بدأت بتشغيل المكنسة الكهربائيّة.
الشّاب الصغير الرّائع.
ربّما ينبغي له أن يستمر بالمشي.
كان الشّاب الصغير الرّائع اسمه الهنديّ.
نهض على قدميه وتناول كومة الملابس الهائلة كأنّها نوع من القطارات الملكيّة المثقلة وبدأ نحو المنزل.
كان هنا موقع إطار الشاحنة، حيث يتّسع الممر لبرهة، وهنا المكان الذي تقاطعت فيه الأشجار فوق رؤوسنا كما لو أنّها تبحث عن بعضها البعض. هذا ما تسمّيه أمّي بـ"حياكة السقف".
كان هنا موقع ملعب كرة القدم، وعبر الملعب، استقرّ منزله هناك كحيوان كبير فاتن. كان أمراً رائعاً. فقد نجح. سقط في المستنقع ونجا ليروي الحكاية. صحيح أنّه بكا إلى حد ما، لكنّه ضحك من بين دموعه على لحظة الضعف المميت هذه لينجح بالعودة إلى المنزل، وعلامة الذهول التي ترتسم على وجهه، التي لا بد أن تشي بمعرفة أنّه استفاد من مساعدة شخص عجوز-
تذكّر العجوز مصدوماً. شو هالخرا؟ وومضت في رأسه صورة للعجوز واقفاً ببؤس، ببشرته الزرقاء وملابسه القطنيّة الداخليّة التي يرتديها أسير حرب منبوذ لدى الأسلاك الشائكة بسبب الافتقار إلى مكان في الشّاحنة. أو كطائر لقلق مصدومة وهي تودّع صغارها إلى الأبد.
راح عن باله. رح العجوز عن باله ولم يتذكّره.
وبعدين؟
شو هالنعمنة.
كان عليه أن يعود، الآن، لمساعدة العجوز في الخروج من هناك. لكنّه كان متعباً جدّاً، ولم يكن متأكّداً من أنّه يستطيع فعل ذلك. سيكون العجوز بخير على الأرجح. كان على الأرجح يمتلك نوعاً من الخطط التي يمتلكها العجزة مثله.
لكنّه لم يخطر على باله. ولم يكن قادراً على نسيان ما فعل. كان ذهنه يقول له أن الطريقة الوحيدة ليكفّر عن ذنبه تكمن في العودة حالاً. لكن جسمه كان يقول شيئاً آخر: المسافة بعيدة جدّاً، وأنت مجرّد صبي، قل لأمّك وهي ستعرف ما يجب القيام به.
وقف مسمراً لدى حافة ملعب كرة القدم كفزّاعة بملابس فضفاضة.
جلس إيبر منهاراً على القارب.
تغيّر الطقس بسرعة. كان الناس يتجوّلون بالمظّلات وما إلى ذلك في الجزء المكشوف من الحديقة. كان هناك لعبة الدوّامة، وفرقة موسيقيّة، ومكان مظلّل. كان النّاس يقومون بقلي الطعام على ظهور خيول معيّنة من خيول الدوّامة. ومع ذلك، كان الأطفال يركبون عليها. كيف عرفوا؟ كيف عرفوا أيّ الخيول ساخنة؟ كان لا يزال الثلج متراكماً حتّى الآن، لكنّه سيذوب إذا بقي الوضع على هذا الحال.
بفففف.
تعلم أنّك إذا ما أغلقت عيناك أنّها النهاية، صحيح؟-
أمر ممتع.
ألين.
الصّوت نفسه، بعد كل هذه السنين.
أين كان؟ في مستنقع البط. كان يعود من هناك مرّات عديدة مع الأطفال. يجب أن يذهب الآن. باي يا مستنقع البط. لكن لحظة، لم يكن قادراً على الوقوف. إضافة إلى أنّك لم تستطع على ترك أطفالاً صغار هناك. خاصّة بالقرب من المياه. كانا في الرابعة والسادسة، من شان الله. بماذا كان يفكّر وهو يترك هاذين الطفلين العزيزين عند المستنقع؟ كانا طفلان جيّدان، وسينتظراه، لكن ألن يشعرا بالملل ويقرّرا السباحة من دون سترات نجاة؟ لا، لا، لا. شعر بالغثيان. كان عليه أن يبقى. الأطفال المساكين. الأطفال المتروكين-
لحظة، إرجع.
كان أبناؤه سبّاحين ماهرين.
لم يقترب أبناؤه من فكرة الهجر يوماً.
كان أبناؤه كباراً.
كان توم يبلغ 30 عاماً. وكان يشرب شرباً مع الماء. حاول بجد لأن يعرف الأشياء. لكنّه حتّى عندما ظنّ أنّه عرف شيئاً (القتال بالطائرات الورقيّة، وتناسل الأرانب)، كان توم يظهر على ما هو عليه بسرعة: أغلى شاب وأكثرهم تقبّلاً على الإطلاق، والذي لا يعرف عن القتال بالطائرات الورقيّة/ تناسل الأرانب أكثر ممّا يمكن لأي شخص عادي أن يعرفه خلال 10 دقائق على الإنترنت. لم يكن ذلك لأنّه لم يكن ذكيّاً، كان توم ذكيّاً. كان توم يلتقط الأمور على الطاير. آه يا تومي، يا تومي التاتاومي. هالولد عليه قلب. كان يعمل ويعمل لمحبّة والده. آه يا صبي، زبطت معك الأمور، زبطت، توم، تومي، حتّى الآن أفكّر فيك، أنتَ على بالي دائماً.
ثم جودي، كانت جودي هناك في سانتا فيه. قالت أنّها ستخرج من العمل وتستقل طيّارة إلى المنزل كما هو مطلوب منها. لكن لم يطلب منها شيء. ولم يكن يرغب في فرض ما يمكن أن يكون مطلوباً منها. كان الأطفال يملكون حياتهم الخاصة. جودي- جود. بوجهها الصغير الممتلئ بالنّمش. أصبحت حاملاً الآن. غير متزوّجة، ولا حتّى تواعد. لارس غبي. أيّ نوع من الرجال يمكنه أن يهجر فتاة جميلة مثلها؟ أعزّ من أي شيء. بدأت للتو في تحقيق بعض التقدّم في عملها. لا يمكنك أن ترتاح إلى هذه الدرجة بينما بدأت للتو في-
كان لإعادة بناء الأطفال بهذه الطريقة أثراً جعلهم يبدون حقيقيين بالنسبة له مرّة أخرى. الأمر الذي- لم تكن ترد أن تستمر في تعكير حياتهم. كانت جودي على وشك الولادة. تعكير. كان يمكنه أن ينتظر لفترة كافية ليرى الطفل. لأن يحمل الطفل. نعم، كان أمراً محزناً. كان تلك تضحيّة كان عليه أن يقدّمها. كان سيفسّر ذلك في الرسالة، أليس كذلك؟ لا. فهو لم يترك رسالة. لم يستطع. كان هناك سبب لذلك. ألم يكن هناك سبب؟ كان متأكّداً تماماً من وجود بعض-
التأمين. سيبدو الأمر وكأنّه تعمّد فعل ذلك.
القليل من الذعر.
القليل من الذعر هنا.
كان سيقتل نفسه. كان انتحاره سيورّط طفلاً. طفلٌ كان يتجوّل في الغابة بدرجة حرارته المتجمّدة. كان سيقتل نفسه قبل أسبوعين من عيد الميلاد. عيد مولي المفضّل. كانت مولي تمتلك صمّاماً ما، ذعراً ما، وهذا الأمر سوف-
لم يكن ذلك- لم يكن ذلك هو. لم يكن أمراً كان سيفعله. لم يكن أمراً كان سيفعله أبداً. لكنّه- فعله. كان يقوم به. كان يعمل على إنجازه. وإذا لم يستمر بالتحرّك، سيتم- سيتم ذلك. سيحدث.
في هذا اليوم بالتّحديد، ستكون معي في جنّة الـ- (10) 
كان عليه أن يقاتل.
لكنّه لم يستطع أن يبقي عيناه مفتوحتان.
حاول أن يرسل بعض الأفكار الأخيرة إلى مولي. سامحيني حبيبتي. هالمرة نكت الدنيا مزبوط. إنسي هالمقطع. إنسي إني نهيت الموضوع بهالشاكلي. بتعرفيني. وبتعرفي إنّي ما قصدت الموضوع.


كان في منزله. لم يكن في منزله. كان يعرف ذلك، لكنّه كان قادراً على رؤية كل التفاصيل. هذا كان السرير الطبي، صورة في الاستوديو لهموليتوميجودي وهم يتموضعون أمام سياج الروديو المزيّف. كانت تلك الطاولة الجانبيّة. وأدويته في صندوقها. الجرس الذي قرعه لينادي مولي. يا له من موقف. يا له من موقف قاسٍ.

فجأة رأى قسوة الموقف بوضوح. وأنانيّته. يا إلهي، من كان هذا؟ تأرجح الباب الأمامي. نادت مولي اسمه. سيختبئ في غرفة التشميس. سيقفز، مفاجئاً إيّاها. تم إعادة تشكيلها بطريقة ما. أصبحت الآن الغرفة غرفة تشميس أستاذة البيانو في طفولته السيدة كيندول. سيكون ذلك أمراً ممتعاً للأطفال، أن يتلقّوا دروساً في البيانو في نفس الغرفة حيث كان-
قالت السيدة كيندول: مرحباً.
وما قَصَدتهُ فعلاً: لا تموت بعد. هناك الكثير منّا ممّن يرغبون بإلقاء الأحكام عليك بقسوة في غرفة التشميس.
صرخت: مرحبا. مرحبا.
ظهرت امرأة بشعر فضّي من المستنقع.
وكل ما كان عليه فعله هو أن ينادي.
ونادى.
ولإبقائه على قيد الحياة، بدأت بتكويم عدّة أشياء من الحياة عليه، أشياء تحمل رائحة المنزل- معاطف، وسترات، أمطار من ورود، وقبّعة، وجوارب وأحذية رياضيّة- وأوقفته على قدميه بقوّة مذهلة، وكانت تناور به عبر متاهة من الأشجار، أرض عجائبيّة من الأشجار، الأشجار المعلّقة بالجليد. كان مكدّساً بالملابس. كان مثل سرير تكوّمت عليه الملابس أثناء حفلة. وكانت تمتلك كل الإجابات: أين يخطو، ومتى يستريح. كانت قويّة كثور. وكان في حضنها الآن كالطفل: كانت تضع ذراعيها حول خصره وهي ترفعه فوق جذع شجرة.
بدا وكأنّهما مشيا لساعات. غنّت، وتزلّفت. فحّت في وجهه لتذكّره، وهي توخزه على جبهته (مباشرة على جبينه)، أن ابنها العرص على شفا التجمّد في المنزل، لذلك كان عليهما أن يسرعا.
يا إلهي، كان هناك الكثير لفعله إذا تجاوز الأمر. سيتجاوز الأمر. لن تدعه هذه الصبية إلا أن ينجح. كان عليه أن يقنع مولي بتفهّم ذلك- تفهّم لماذا فعل ذلك. كنتُ خائفاً، كنتُ خائفاً، يا ململ. ربّما توافق مولي ألّا تخبر تومي وجودي. لم يعجبه أنّهم سيعرفون أنّه كان خائفاً. لم يعجبه أنهم سيعرفون أنّه كان غبيّاً إلى هذا الحد. مش فارقة مع ربّي. قولي للجميع أنّه فعلها. أنّه كان مدفوعاً للقيام بذلك وقد فعلها وحدث ما حدث. كان ذلك هو. كان ذلك جزءاً ممّا كان عليه. لا مزيد من الأكاذيب، لا مزيد من الصّمت، سأعيش حياة جديدة ومختلفة، لو أنّه فقط-
كانا يعبران ملعب كرة القدم.
ها هي النيسان.
أول فكرة خطرت بباله: افتح السيّارة وقد إلى المنزل.
أوه لا، لن تفعل، قالت وهو تضحك ضحكة انبعث منها دخان رمادي، وقادته إلى منزل. منزل لدى الحديقة. شاهده ملايين المرّات، وهو اليوم داخله. انبعثت من المنزل رائحة عرق رجل وصلصة سباغيتي وكتب قديمة. مثل رائحة مكتبة يطبخ فيها رجل متعرّق سباغيتي. أجلسته أمام الموقد الخشبي، وأحضرت له بطانيّة بنيّة اللون توفح منها رائحة الدواء. ومن دون أن تتحدّث، وجّهته: اشرب هذا، دعني آخذ هذه، لفّ نفسك، ما هو اسمك، ما هو رقمك؟
يا له من أمر. كيف انتقلتَ من الموت في ملابسك الداخليّة في الثلج إلى هذا. هذا الدفء والألوان وقرون الوعول على الجدران، وهاتف ببكرة من الذين تراهم في الأفلام الصّامتة. كان أمراً مهمّاً. وكانت كل ثانية مهمّة. فلم يمت في الشورت لدى المستنقع وفي الثلج. لم يكن الصبي ميّتاً. ولم يقتل أحداً، ها. واستعاد كل شيء بطريقة ما. كان كل شيء على ما هو عليه الآن، كان كل شيء-
مدّت المرأة يدها إلى الأسفل لتلمس ندبته.
قالت: أو ه، واو، آه. لم تفعل ذلك هناك، أليس كذلك؟
هنا تذكّر أن البقعة البنيّة كانت في رأسه منذ الأزل.
يا إلهي، تبقّى أن نتجاوز كل هذا الآن.
هل لا تزال تريد ذلك؟ هل لا تزال تريد أن تعيش؟
نعم، نعم، آه، يا رب، نعم، أرجوك.
لأنّه، أوكي، الأمر كان- فهم الآن، بدأ برؤيته- إذا انهار شخص ما، أو قال أو فعل أشياء سيئ عند موته، أو كان على أحد مساعدته، هل يمكنه مساعدته إلى حد كبير؟ وماذا في ذلك؟ ماذا في ذلك؟ لماذا لا يجب عليه أن يفعل أو يقول أشياء غريبة أو أن يظهر بمظر غريب أو مقرف؟ لماذا ليس على الخراء أن يخرج من بين ساقيه؟ لماذا على أولئك الذين أحبّهم ألّا يحملوه ويقلبوه ويطعموه ويمسحون له خراه عندما سيفعل هو ذلك لهم بكل سرور؟ كان يخاف أن يهان من الحمل والتقليب والإطعام والمسح، وكان خائفاً من كل ذلك، ومع ذلك، رأى الآن أنّه لا يزال هناك الكثير- الكثير من قطرات الخير، هكذا سقطت عليه- قطرات السعيد الكثيرة- قطرات الزمالة- أمامه، ولم تكن قطرات الزمالة هذه- لم تحجب يوماً عنه.
محجوبة.
خرج الصبي من المطبخ وجسده ضائع في معطف إيبر، والتفّ بنطال بيجامته حول أقدامه العارية بعد أن خلع الحذاء. أمسك بيد إيبر المدماة بلطف وقال أنّه آسف. آسف لأنّه كان غبيّاً في الغابة، وآسف لأنّه هرب. كان لا يزال مخضوضاً من الخوف وكل ما حصل.
قال إيبر بصوت أجشّ: اسمع، عملت منيح. عملت ممتاز. أنا هون، بسبب مين؟
هذا هو. كان ذلك شيئاً تستطيع فعله. ربّما شعر الصبي أنّه أفضل الآن؟ هل ساعده ليشعر بذلك؟ كان ذلك سبباً للبقاء، ألم يكن كذلك؟ ألا تستطيع مواساة أحد إذا لم تكن موجوداً؟ ألا تستطيع أن تقرفص إذا رحلت؟
عندما كان ألين قريباً من نهايته، قدّم إيبر عرضاً في المدرسة حول خروف البحر. وحصل على علامة أ من الأخت يوستاس، والتي يمكنها أن تكون أستاذةً قاسية للغاية. فقدت الأستاذة إصبعين من يدها اليمنى بحادث جرى لها وهي تجزّ العشب، وأحياناً تستخدم تلك اليد لإخافة ولد ساكت.
لم يفكّر بذلك منذ سنوات.
لم تكن تضع تلك اليد على كتفه لتخيفه، بل كشكل من أشكال الثناء: كان ذلك رائعاً. على الجميع أن يأخذوا أعمالهم بجديّة مثل دونالد. دونالد، آمل أن تذهب إلى المنزل وتشاركه مع والديك. كان قد ذهب إلى المنزل وشاركه مع أمّه التي اقترحت أن يشاركه مع ألين، والذي كان، في ذلك اليوم، أكثر أليناً من ذلك. وألين-
ها، واو، ألين. كان هناك رجل.
انسكبت الدموع من عينيه وهو جالسٌ أمام الموقد الخشبي.
كان ألين قد- كان ألين قد قال أنّه رائع. سأل عدّة أسئلة عن خروف البحر: ماذا يأكلون مرة أخرى؟ هل كان يعتقد أنّهم يستطيعون التواصل بفعاليّة مع بعضهم البعض؟ كان ذلك اختباراً عظيماً في هذه الظروف. 40 دقيقة حول خروف البحر؟ بما في ذلك قصيدة ألّفها إيبر؟ سوناتا؟ عن خروف البحر؟
شعر بالسعادة لعودة ألين.
وفكّر: سأصبح مثله. سأحاول أن أصبح مثله.
كان الصوت في رأسه متزعزعاً، وأجوف، وغير مقتنع.
ثم: صفّارات إنذار.
وبطريقة ما: مولي.
سمعها وهي على مدخل المنزل. مول، مولي، آخ. عندما كانا متزوجان حديثاً اعتادا على الشّجار، وقول أكثر الأمور جنوناً. بعد ذلك، وفي بعض الأحيان، تكون هناك دموع. دموع في السرير؟ في مكان ما. ثم يقومان- ومولي تضغط وجهها الرطب السّاخن على وجهه الرطب الساخن. كانا متأسّفان، كانا يقولان ذلك عبر جسديهما، كانا يقبلان بعضها مرّة أخرى، وذلك الشعور، الشعور بالقبول مراراً وتكراراً بمودّة شخص تتوسّع دائماً لتشمل أيّ أخطاء جديدة تظهر فيك، وكان ذلك أعمق وأعزّ شيء فعله على الإطلاق-
دخلت إلى المنزل وهي مهتاجة، وهي تعتذر، مع مسحة من الغضب على وجهها. لقد أحرجها، وعرف ذلك. أحرجها من خلال القيام بشيء أظهر أنّها لم تلاحظ كم هو بحاجة إليها بما فيه الكفاية. كانت منشغلة للغاية في رعايته إلى حد أنّها لم تلاحظ مدى خوفه. كانت غاضبة منه لأنّه مارس تلك الحيلة، وكانت تشعر بالعار لأنّها غاضبة عليه في وقت حاجته، وكانت تحاول أن ترمي العار والغضب وراءها حتّى تتمكّن من فعل ما قد يلزم.
كان كل ذلك واضحاً في وجهها. كان يعرفها جيّداً.
كان ثمّة قلق أيضاً.
هيمن القلق على كل ما كان يعتري وجهها الجميل هذا.
أتت إليه الآن وهي تتعثّر قليلاً على تمايل في أرضيّة منزل هذا الغريب.


1.      الأمير الشجاع: Prince Valiant. شخصيّة في قصص مصوّرة بنفس الاسم، اخترعها فنّان الكوميكس الأميركي- الكندي هال فوستر العام 1937.
2.      ينحت الكاتب على لسان الشخصيّات كلمات جديدة أو أخطاء في النطق أو أخطاء نحويّة تنبع إمّا من تجارب روبن اللغويّة في عمره، أو من هلوسات إيبر. وأحياناً تخطئ الشخصيتين في نطق كلمة واحدة ليصبح لها نسختان تأوّل كل نسخة بشكل مختلف.
3.      مخلوقات Netherworlders من شخصيّات مارفل هي سلالة تعيش في العوالم السفليّة بعد نجاتها من غرق قارة الأتلنتك.
4.      فيلم موسيقي صدر العام 1964.
5.      اسم كلب، لكنّه أيضاً اسم مخلوق بيغ فوت الأسطوري.
6.      كلمة منحوتة أخرى يعني فيها الظهير الرباعي في كرة القدم الأميركيّة، والذي يعد القائد الفعلي في الملعب والذي يفترض أن يكون أقواهم.
7.      كتاب The Endless Steppe هو مذكّرات لإستير هاوزغ تروي فيها حياتها في سيبيريا خلال الحرب العالميّة الثانية.
8.      جملة قالها في الأصل الزعيم جوزيف، زعيم قبيلة من الأميركيين الأصليين لدى استسلامه للجيش الأميركي العام 1877.
9.      ماثيو برادي (1822- 1896) أحد أول المصورين الأميركيين.
10. من الإنجيل في الأصل، وعلى لسان المسيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق