وثمّ أنني مشيت كثيراً. وفكّرتُ كثيراً بأرسغ مقطوعة تتدلى من حواف أسطح البيوت الباردة. لكنني لم أكن مكتئباً تماماً. لو كنت شخصاً آخر- قلت لنفسي، لأحببت هذه المدينة التي أقطع ربعها في الواحدة صباحاً خلال ساعة واحدة فقط.
وإذ سلّمت على نصف حرّاس السفارات؛ عرضت عليهم سجائري، ودخلت كشك أحدهم ولمستُ سلاحه وحدّثته عن ماري جبران. إلا اثنين، تجاهلتهما، وادّعيت أنني لم أسمع أحدهما يقول لي: "أوقفلك سيارة توصلك سيدي؟".
ثم فكّرت في عمّان شارعاً واحداً. وشعرت بأنني سأحب المدينة لو كان أهلها أكثر جنوناً قليلاً. كأن يصطادوا التماسيح التي تتخبّط ذيولها على حواف البرك الصغيرة.
هكذا، تجاوزت دبّابة بسهولة. وشعرت بأنني أترك حياتي لتسير أمامي من دون ندم.
تركتها، لأول مرة. وهكذا شعرت بالرضا.
وشعرت بأن البنك لو نفّذ تهديده وسجنني بعد أسبوعين أنني لا أبالي؛ فقد أطلقت حياتي، ولن ينافسني فيها أحد.
لا زاوية في منزل، ولا عشب يخضرّ ببطء تحت سماء فارغة، ولا كل الدراجات الهوائية في مسرحيات صمويل بيكيت وأفلام ثيو أنجيلوبولوص.
ولا حتى نصف كلمة "حبيبتي" على الهاتف التي أعضّ على أولها، وأترك آخرها تسير أمامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق